الجنة هي من أسمى الغايات التي يتوق إليها كل مسلم، فهي دار الخلود والسرور والكرامة التي أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين الصادقين، الذين آمنوا بالله ورسوله واتبعوا شريعته وسنته، وجاهدوا في سبيله بأموالهم وأنفسهم، وصبروا على المصائب والابتلاءات، وشكروا الله على النعم والبركات. ففي الجنة من النعيم المقيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. قال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
وقد أخبرنا الله ورسوله في القرآن والأحاديث النبوية ببعض أوصاف هذه الجنة، وبعض نعيمها الغامر، وبعض أسباب دخولها، لكي نستشعر حلاوة الإيمان في قلوبنا، ونزداد حرصًا على طاعة ربنا، ونستبشر بفضله ورحمته. ومن خلال هذا المقال سوف نستعرض بإذن الله تعالى بعض النعيم الموجود في الجنة، مستندين إلى آيات من القرآن الكريم، وأحاديث من السنة النبوية.
أسماء الجنة
ذكرت في القرآن الكريم العديد من الأسماء المختلفة للجنة، وكل اسم من هذه الأسماء يحمل معنى خاصًا يعكس نوعًا من نعيم الجنة أو صفة من صفاتها.
- الجنة: يعني البستان العظيم الذي يستر بأشجاره ما بداخله. وقيل سُميت بالجنة لما تخفيه من نعيم داخلها.
- دار الخُلد: سُميت دار الخُلد لديمومتها الأبدية، فهي مكان البقاء الأبدي الذي لا يبغون أهله عنه حولاً.
- دار السلام: سُميت بذلك لخلوها من كل شر وبلاء ومكروه، فهي دار السكينة والطمأنينة والرضا.
- دار المُقامة: أي مكان الإقامة الدائم.
- جنة المأوى: أي مكان الاستقرار الذي يصير إليه الفائزون.
- جنات عدن: أي مكان الإقامة والخلود.
- الفردوس: أي البستان الجميل وهو اسم يشير إلى أعلى مراتب الجنة.
- جنات النعيم: سُميت بذلك لما تحتويه من النعيم العظيم.
- المقام الأمين: أي مكان خالٍ من كل سوء وآفة ومنغصات.
- الغرفة: هي مكانة عالية في الجنة يراها أهل الجنة كأنها كوكب في السماء.
- مقعد صدق: أي المقام الكريم الذي استحقه من ناله بصدقه مع الله. وقيل يعني مقعدًا خاليًا من الكذب واللغو والشتم والقول الباطل.
- دار الحيوان: أي دار الحياة التي لا موت فيها.
ريح الجنة
إن للجنة رائحة طيبة يوجد أثرها وعبيرها من مسافات بعيدة، ومما جاءت به الأحاديث في ذلك أن ريحها يوجد من مسيرة أربعين سنة، ومن مسيرة سبعين سنة، ومن مسيرة مئة سنة، ومن مسيرة خمس مئة سنة، وإن أول ما يُستقبل به أهل الجنة هو هذه الرائحة الطيبة الفواحة.
حجم الجنة
الجنة هي خلق عظيم من خلق الله تعالى، وهي عالم في غاية الاتساع، وقد جاء تبيان اتساع الجنة في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
فلك أن تتخيل سعة هذه الجنة التي عرضها دون طولها السماوات والأرض. أيضًا، جاء في الحديث النبوي أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، فكم هي سعة هذا المكان الذي يحتوي على مثل هذه الأشجار العظيمة؟
أبواب الجنة
إن للجنة أبوابًا تُفتح يوم القيامة للفائزين حتى يدخلوا منها إلى دار السلام، وذلك مصدقاً لقوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [ص: 50].
وقد ورد في الحديث الشريف أن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، أو كما بين مكة وبصرى. وقال عتبة بن غزوان في خطبة له: إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظمة حجم أبواب الجنة وفسحتها، وأنها تتسع لدخول المؤمنين بأعداد كبيرة.
وعدد هذه الأبواب هو ثمانية، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فِي الجَنّةِ ثَمانِيَةُ أبْوابٍ، فِيهَا بابٌ يُسمّى الرّيانَ، لا يَدْخُلُهُ إلاّ الصّائِمُون} [صحيح البخاري - 3257]. ولكل باب منها عمل خاص يسمى به، ولا يدخل منه إلا أهل ذلك العمل.
- باب الصلاة: يدخل منه أهل الصلاة الذين أقاموها وحافظوا عليها.
- باب الجهاد: يدخل منه المجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.
- باب الريان: يدخل منه الصائمون الذين صاموا رمضان والنوافل.
- باب الصدقة: يدخل منه المتصدقون بزكاتهم وصدقاتهم.
- باب التوبة: يدخل منه التائبون من جميع الذنوب والخطايا.
- باب الحج: يدخل منه المحجون والمعتمرون الذين أدوا فريضة الحج والعمرة.
- باب المتوكلين: يدخل منه المتوكلون على الله والراضون بقضائه.
- باب الوالدين: يدخل منه براء الوالدين والأقارب والجيران.
خزنة الجنة
خزنة الجنة هم الملائكة الموكلون بالجنة، وهم الذين يستقبلون السعداء الذين نجوا من النار بالبشارة والسلام، وهم أيضًا المكلفون بدعوة المؤمنين إلى الدخول من أبواب الجنة التي تتناسب مع أعمالهم.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، دَعَاهُ خَزَنَةُ الجَنَّةِ، كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ: أَيْ فُلُ هَلُمَّ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَاكَ الَّذِي لاَ تَوَى عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ} [صحيح البخاري - 2841].
نور الجنة
في الجنة لا يوجد ليل ولا نهار، بل يوجد نور دائم، قال القرطبي: قال العلماء: ليس في الجنة ليل ونهار، وإنما هم في نور دائم أبداً، وإنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب. كما أنه لا يوجد في الجنة شمس، قال تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۖ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} [الإنسان: 13].
تراب الجنة
إن تراب الجنة ليس كتراب الدنيا الذي نعرفه، فقد جاء أن تراب الجنة مكون من المسك الخالص والزعفران، كما أن هيئته تكون على شكل الدرمكة البيضاء، وهو الدقيق الأبيض الخالص، فهو في البياض درمكة وفي الطيب مسك. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ فَقَالَ: { دَرْمَكَةٌ بَيْضَاءُ مِسْكٌ خَالِصٌ} [صحيح مسلم - 5213].
أحجار الجنة
أحجار الجنة وحصباءها لَهِيَ يواقيت مشعة بالنور، والحجرُ الأسود الذي هو على إحدى زوايا الكعبة المشرفة هو من أحجار الجنة، كان قبل أن ينزل إلى الأرض ياقوتة بيضاء متلألئة، ولكن الله طمس نوره.
كذلك الحجر الذي وقف عليه سيدنا إبراهيم عند قيامه ببناء البيت مع سيدنا إسماعيل هو من أحجار الجنة، وقد ثبت ذلك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه عبد الله بن عمرو، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إنَّ الركنَ و المقامَ ياقوتتان من الجنَّةِ ، طمس اللهُ تعالى نورَهما ، و لو لم يَطمِسْ نورَهما لأضاءَتا ما بين المشرقِ و المغربِ} [صحيح الجامع - 1633].
أنهار الجنة
ورد ذكر أنهار الجنة في العديد من آيات القرآن الكريم، وجاء وصف هذه الأنهار بِأوصاف مختلفة تدل على جودتها وجمالها وتنوعها. قال تعالى: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [ محمد: 15].
فمن خلال ما سبق من الآية الكريمة، يتضح أنه يوجد في الجنة التالي:
- أنهار من ماء غير آسن، أي: غير متغير أو منتن.
- أنهار من لبن لم يتغير طعمه، أي: لم يختلف طعمه عما خلق عليه أول مرة.
- أنهار من خمر لذة للشاربين، أي: لذيذة المذاق والرائحة، والأهم من ذلك أنها لا تسكر ولا تذهب عقل شاربها، لقوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} [ الصافات: 45-47]. وقوله (لا فِيهَا غَوْلٌ)، يعني: إن هذه الخمر لا تذهب بعقول شاربيها كما تذهب بها خمور أهل الدنيا إذا شربوها فأكثروا منها.
- أنهار من عسل مصفى، أي: مرقى ومصفى من كل عيب وشوائب، بل هو حسن المنظر والطعم والرائحة.
ومن أشهر أنهار الجنة التي ذكرت في القرآن هو نهر الكوثر، وهو العطاء الذي أكرم الله به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [ الكوثر: 1].
روى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بيْنَما أنا أسِيرُ في الجَنَّةِ، إذا أنا بنَهَرٍ، حافَتاهُ قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلتُ: ما هذا يا جِبْرِيلُ؟ قالَ: هذا الكَوْثَرُ، الذي أعْطاكَ رَبُّكَ، فإذا طِينُهُ - أوْ طِيبُهُ - مِسْكٌ أذْفَرُ} [صحيح البخاري - 6581].
أشجار الجنة
أشجار الجنة هي أشجار عظيمة شديدة الخضرة، من شدة خضرتها تميل إلى السواد. قال الله تعالى: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِِ} [الرحمن: 62-64]. وقوله "مدهامتان" معناه: قد علا لونهما دهمة وسواد من النضرة والخضرة.
كما أن أشجار الجنة ليست كأشجار الدنيا التي تعطي في فصل دون فصل، بل هي دائمة الثمار والظلال. قال تعالى: { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 32-33]. وقال أيضا: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ۚ تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا ۖ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} [الرعد: 35].
أما بالنسبة لثمار هذه الأشجار فهي دانية متدلية سهلة القطف والحصول عليها. قال تعالى: {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 22-23]. وقال أيضا: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الانسان: 14].
وقد ذكر القرآن بعض أنواع الأشجار الموجودة في الجنة، ومنها أشجار النخيل والعنب والرمان، وهي أشجار معروفة في الدنيا بثمارها اللذيذة. قال الله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68].
كما يوجد فيها أشجار السدر والطلح، وشجرة السدر هي شجرة النبق المعروفة في الدنيا، لكنها في الجنة بلا أشواك، وأما شجرة الطلح فهي شجرة شائكة في الدنيا، لكنها في الجنة منضودة؛ أي معدّة للأكل دون تعب وعناء. قال تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} [الواقعة: 27-29].
وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن بعض شجر الجنة فقال: {إن في الجنةِ لشجرةً يسيرُ الراكبُ في ظلّها مائةَ عامٍ لا يقطعُها واقرأوا إن شئتُم وْظِلٍّ مَمْدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [سنن الترمذي - 3293].
أيضًا، جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في رحلة المعراج شجرة عظيمة سميت بسدرة المنتهى، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : {ثم انطلقَ بى حتى انتهى إلى سدرةِ المُنْتهى، ونبْقُها مثلُ قِلالِ هَجَرَ، وورقُها كآذانِ الفيلةِ، تكادُ الورقةُ تغطّى هذِه الأمهِ، فغشيها ألوانٌ لا أدري ما هيَ ؟} [صحيح الجامع - 4199]. وجاء ذكر سدرة المنتهى في القرآن الكريم في سورة النجم، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ} [النجم: 13-18].
مساكن أهل الجنة
قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72].
وردت مساكن أهل الجنة على أربعة أنواع مختلفة وهي: الغرف، والقصور، والبيوت، والخيام.
فإذا تحدثنا عن الغرف فهي منازل بهية مبنية فوق بعضها، من شدة حسنها وبهائها يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، فهي شفافة يرى من بداخلها من خارجها، ويرى من خارجها من بداخلها، كما أنها عالية ومرتفعة في السماء.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إنَّ أهلَ الجنةِ لَيتراءَون أهلَ الغُرَفِ من فوقِهم ، كما تُراءون الكوكبَ الدُّرِّيَّ الغابرَ في الأُفُقِ من المشرقِ أو المغربِ لتفاضُلَ ما بينهم} [صحيح الجامع - 2027].
وورد ذكر الغُرَف في القرآن الكريم في قوله تعالى: {لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}، {لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا}، {أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا}.
أما بالنسبة لقصور الجنة فهي من ذهب وفضة، ولك أن تتخيل حسن وبهاء هذه القصور. فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {دخلتُ الجنةَ ، فإذا أنا بِقَصرٍ من ذهبٍ ، فقلتُ : لِمنْ هذا القصرُ ؟ قالُوا : لِشابٍّ من قُريشٍ ، فظننتُ أنِّى أنا هو ، فقُلتُ : و مَن هو ؟ قالُوا : عُمرُ بنُ الخطابِ ، فلَولَا ما علِمتُ من غيرتِكَ لَدخلْتُه} [صحيح الجامع - 3364]. وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الجنة وبناؤها فقال: {لبنة من ذهب ولبنة من فضة}.
وأما بالنسبة لخيام الجنة، فالخيمة الواحدة منها من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا، كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنَّ للمؤمنِ في الجنةِ لخيمةٌ من لؤلؤةٍ واحدةٍ ، مجوَّفةٍ طولُها ستون ميلًا ، للمؤمن فيها أهلُون ، يطوف عليهم المؤمنُ فلا يرى بعضُهم بعضًا} [صحيح الجامع - 2182]، وقد ورد ذكر الخيام في القرآن في قوله تعالى: {حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72].
أثاث وآنية أهل الجنة
إن آنية وأثاث الجنة مصنوعة من الذهب والفضة والحرير وغيرها مما شاء الله، ففيها سرر عالية مرفوعة ومنسوجة بالذهب والجواهر والزينة. قال الله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ} [الغاشية: 13]. وقال تعالى: {عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ (15) مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة: 15-16].
وفيها أواني من الذهب والفضة جاهزة ومعدة للاستعمال، من هذه الأواني الاباريق والكؤوس والقصاع والأكواب. قال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا} [الإنسان: 15 - 16]، {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: 71]، {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} [الواقعة: 17-18]، {وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ} [الغاشية: 14].
وفيها وسائد قد صف بعضها إلى جانب بعض للجلوس والاتكاء عليها، وبسط كثيرة مفروشة ومبطنة من غليظ الديباج. قال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: 76]، {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 15-16]، {مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ۚ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن: 54].
طعام وشراب أهل الجنة
ينعم المؤمنون في الجنة بكل ما يشتهون من أصناف الطعام والشراب المتنوعة، فلهم فيها لحمٌ مما يشتهون. قال تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} [الطور: 22]. وقال تعالى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21].
وأول طعام يتناوله أهل الجنة هو كبد الحوت. روي في صحيح مسلم عن ثوبان أن يهوديا سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {فَما تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ؟ قالَ: زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ، قالَ: فَما غِذَاؤُهُمْ علَى إثْرِهَا؟ قالَ: يُنْحَرُ لهمْ ثَوْرُ الجَنَّةِ الذي كانَ يَأْكُلُ مِن أطْرَافِهَا قالَ: فَما شَرَابُهُمْ عليه؟ قالَ: مِن عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا}[صحيح مسلم - 315].
ولهم فيها فواكه كثيرة وشتى، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ} [الزخرف: 72-73]. وقال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} [ص: 50-51].
وأما شرابهم فيها، فيشربون الماء الصافي والعسل المصفى واللبن الذي لم يتغير طعمه والخمر اللذيذ الممزوج بالكافور والزنجبيل. قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا}[الإنسان: 5-6]، {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلًا} [الإنسان: 17-18]، {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15].
سوق الجنة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنَّ في الجَنَّةِ لَسُوقًا، يَأْتُونَها كُلَّ جُمُعَةٍ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمالِ فَتَحْثُو في وُجُوهِهِمْ وثِيابِهِمْ، فَيَزْدادُونَ حُسْنًا وجَمالًا، فَيَرْجِعُونَ إلى أهْلِيهِمْ وقَدِ ازْدادُوا حُسْنًا وجَمالًا، فيَقولُ لهمْ أهْلُوهُمْ: واللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنا حُسْنًا وجَمالًا، فيَقولونَ: وأَنْتُمْ، واللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنا حُسْنًا وجَمالًا} [صحيح مسلم - 2833].
والمقصود بالسوق في الحديث، ليس هو السوق الذي يباع فيه ويشترى، وإنما المقصود هنا، هو المجمع الذي يجتمعون فيه كما يجتمع الناس في الدنيا في السوق. يأتون لهذه السوق في مقدار كل أسبوع مرة، فتهب عليهم ريح سميت بريح الشمال، فتخثوا في وجههم وثيابهم بهوائها العذب والطيب، فتزيدهم جمالًا، ثم بعد ذلك، يرجعون إلى أهليهم، فيرى أهلوهم أنهم قد تغيروا وازدادوا حسنًا وجمالًا من أثر هذه الريح الطيبة، وهم كذلك يرون أن أزواجهم قد ازدادوا حسنًا وجمالًا في هذه المدة التي تركوهم فيها.
درجات الجنة
إن للجنة درجات، وتتفاوت هذه الدرجات بحسب تفاوت إيمان الناس وأعمالهم. قال الله تعالى: {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء: 21]. وقال أيضًا: {لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 95-96].
وقد جاء أن عدد درجات الجنة هو مئة درجة، وبين كل درجة ودرجة كما بين الأرض والسماء. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا دَرَجَةً وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الْأَرْبَعَةُ وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ} [صحيح الترمذي - 2531].
الحور العين
الحور العين هم النساء اللواتي خلقهن الله سبحانه وتعالى في الجنة، وهن نساء فائقات الحسن والجمال، ليكون الزواج منهن في الجنة ثوابًا أعده الله لعباده المؤمنين من الرجال، وقد جاء ذكرهن في القرآن في أكثر من موضع، منها: قوله تعالى: {كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: 54].
الولدان المخلدون
الولدان المخلدون هم خلق من خلق الجنة كالحور العين، أنشأهم الله لخدمة أهل الجنة بما يشاءون من الطعام والشراب وغيرها من الحوائج، ووصفهم القرآن بأنهم مخلدون، أي: هم على حالة واحدة لا يتغيرون عنها، لا يهرمون ولا يشيبون. وشبههم باللؤلؤ المنثور، أي: إذا رأيتهم في انتشارهم في خدمة أهل الجنة حسبتهم لؤلؤًا منثورًا من جمالهم وحسن ثيابهم وحليهم.
أهل الجنة
إن أهل الجنة هم أولائك الناس الذين اطاعوا الله ورسوله في الدنيا، وامتثلوا لأوامره سبحانه وتعالى. مما جاء فيهم، قوله تعالى:
ثيابهم في الجنة من الحرير، وحليهم وزينتهم من الذهب والفضة واللؤلؤ. قال الله تعالى :{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21]، {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [فاطر: 33].
الأمان والسلام في الجنة
إن من كمال النعيم في الجنة هو عدم وجود ما يعكر صفو حياة أهلها، وهذا ما لن تجده في الدنيا، فمثلاً إذا نظرت لأكثر الناس نعيمًا في هذه الدنيا، فبرغم ما يملكونه من قصور وأموال وخيرات كثيرة، فقد تجدهم يعيشون في هواجس فكرية وخوف من المجهول والمستقبل، فهم يعلمون أنهم يعيشون في عالم متقلب يوجد به الخير والشر، لهذا هم يكرسون الكثير من الوقت والمال والجهد في محاولة لتجنب هذا الشر أو الأذى الذي قد يصيبهم مستقبلاً، لكن الأمر في الجنة مختلف، فالأشياء التي كانت تؤذي الإنسان في الدنيا لا وجود لها في الجنة، ففي الجنة لا يوجد مرض ولا موت ولا هرم ولا فقر، وكذلك لا وجود فيها لشرار الخلق ولا للأذى الذي يترتب من وجودهم. قال الله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ}، {وهم في الغرفات آمنون}، {إن المتقين في مقام أمين}.
أعظم نعيم الجنة
إن أعظم أنواع النعيم في الجنة هو رؤية الله عز وجل وسماع كلامه، فلا يوجد نعيم في الجنة يعلو هذا النعيم، ولا شيء أحب لأهلها من رؤية وجه الله تبارك وتعالى. قال الله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 44]، {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23].
جاء في الحديث عن صهيب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ} [صحيح مسلم - 181].